أفق نيوز
الخبر بلا حدود

غزة بين حرب التجويع وصمت الوفرة

60

أفق نيوز|

أشجان الجرموزي

يَجِنّ الليل، ويَبزغ الفجر، وتُبدد أشعة الشمس ذاك الظلام الدامس المُحمّل بثقل الألم والخوف، دون فرحة أو راحة، بل ببطون خاوية من قلة الأكل، وشفاه مشققة من شدة الظمأ، وأرواح يملؤها الإعياء، كل ما تراه سراب على أمل أن يكون حقيقة، لكن الحقيقة مؤلمة، مُضنية، مُنهكة، لم تعد المُقل قادرة على إخراج الدمع، القلوب دامية متفطّرة في ظل صمتٍ مُخزٍ، وأفئدة لا تلين لرؤية دم أو كفن أو حتى مجاعة، وكأن السماء أعلنت العزاء الأبدي لموت الضمائر، ولشحّة المشاعر، وذهب البصر مع البصيرة إلا من قلة قليلة…

هدير الطوفان أسمع من بهم صمم، أرى فاقد البصيرة أين مكمن الخلل، أقام الحجة ورفع الشكوى، ما يقارب العامين وغزة تحت وطأة الحرب والغارات والحصار، ومن لم تناثر جسده شظايا الغارات، سُلبت الحياة منه بالجوع والعطش، أطفال، نساء، شيوخ، جميعهم يرون الموت في كل لحظة ماثلًا أمامهم، يُخبرهم أن إخوة الدين لا يهمهم أمركم، لا يسمعون أنينكم وصراخكم، بطونهم متخمة، وبطونكم خاوية، استشرى السرطان الإسرائيلي ونخر في جسد الأمة العربية، لم يشعروا منه بألم، بل استقبلوه بالسمع والطاعة، عدا إخوان الصدق، أبطال القول والفعل، أنصار اليمن، جنود ابن البدر، لا يخافون في الله لومة لائم، حسينيو النهج، زيديو الثورة والهوية، ثوار أحرار، أحفاد حيدر الكرار، ثائرون ضد الظلم والطغيان بفضل الله وعلى منهج كتاب الله.

رغم الحصار المفروض على اليمن، إلا أنها بشعبها وقائدها الفذ، منذ شرارة الطوفان الأولى، كانت السند والمدد لأهل غزة ومقاومتها، تحركوا متوكلين على الله، آخذين بمحكم آياته، والله غالب على أمره، استطاعوا بفضل الله فرض حصار بحري وجوي، وتسديد ضربات موجعة للعدو الإسرائيلي، ومعه الأمريكي، لم تستطع أعتى جيوش العالم العربي أن تُخسر رصاصة واحدة في سبيل نصرة المظلوم، خنعت الأعراب وذلّت واستكانت تحت أقدام من ضُربت عليهم الذلة والمسكنة، ولم تُحرّك دماء وأشلاء أهل غزة فيهم ساكنًا، واليوم وقد بلغت المجاعة أوجها، والحرب تستعرض ذروتها، ومن لم يمت بالغارات، مات جوعًا.

سيحل غضب رب السماء على تلك الأمم الصامتة قريبًا، فإن الله يُمهل ولا يُهمل، وسيمهلهم قليلًا حتى يزداد إثم صمتهم وخنوعهم، فيكون العقاب شديدًا، وينقلب حُلو الحياة مرًّا سعيرًا، ويستبدل الله بهم، ويومئذٍ لن تنفعهم شفاعة، ولن تذود عنهم أمريكا وإسرائيل، وسيقطع جوع أهل غزة أمعاءهم بما صمّوا آذانهم عن سماع مناجاتهم، وأعموا بصرهم عن رؤية أشلائهم، وصمتوا حين رأوهم يتضوّرون ويموتون جوعًا، فصاروا خصومًا لهم إلى قيام الساعة.
ولعل الفرصة لا تزال قائمة، فإما نجاة ونصرة، وإلا عذاب وحسرة،
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون…