أفق نيوز
الخبر بلا حدود

الإمام زيد وشرارة الوعي التي لا تخمد

45

أفق نيوز|

أحلام الصوفي

لم يكن تحرك الإمام زيد عليه السلام رد فعل مؤقت أو خيارًا اندفع له في لحظة غضب بل كان تتويجًا لوعي متراكم وشعور عميق بالمسؤولية تجاه أمة أنهكها الانحراف وتسيّد فيها الباطل وانكمشت فيها الأصوات الحرة خلف جدران الخوف والتردد لقد رأى أن السكوت خيانة وأن الانتظار موت بطيء فنهض ليكسر الجمود ويفتح بابًا للتغيير.

الإمام زيد لم يأتِ من فراغ كان حاملًا لإرث علمي واجتماعي وأخلاقي جعل حركته تحمل مضمونًا لا يقتصر على لحظة الخروج بل يمتد إلى ما بعدها إلى مشروع يعيد للناس ثقتهم بأنفسهم وحقهم في العيش بحرية وكرامة لم يكن خصامه مع شخص بل مع منظومة استبدادية أفرغت الخلافة من معناها وجعلت الدين وسيلة لتثبيت السلطة لا لإقامة العدل.

الناس في زمنه لم يكونوا ضحية القمع فحسب بل كانوا أيضًا ضحية التزييف الذي طال المفاهيم الدينية فكان لا بد من صوت يعيد المعنى الحقيقي للإمامة ويفصلها عن التوريث والاستغلال السياسي وجاء زيد ليجعل من الفقه أداة تحرر لا أداة تبرير ومن الكلمة موقفًا لا مجرد نص يُستأنس به.

على المستوى الاجتماعي كان خروجه صدمة هزّت حالة التبلد العامة وصار عنوانًا للكرامة لمن رأى في الحاكم ظلًا لله لا يمكن الاعتراض عليه فقد علّم الناس أن مقاومة الظلم ليست فقط ممكنة بل واجبة وأن كل لحظة صمت تطيل عمر الطغيان

أما سياسيًا فقد زلزل خروجه حسابات المستبدين وأعاد تعريف العلاقة بين السلطة والأمة فلم تعد الخلافة قداسة مطلقة بل عقدًا مشروطًا تُنقض شرعيته متى ما غابت العدالة أو سُلبت الأمة حقها في الرأي والشورى وهنا تتجلى عبقرية مشروعه أنه لم يفصل بين العقيدة والواقع بل جعل الدين رافعة للتحرر لا وسيلة للخضوع

اليوم وبعد قرون لا يزال الإمام زيد حيًا في الوعي الشعبي والسياسي من اليمن إلى كل مكان يشعر فيه الإنسان بالظلم ويبحث عن خلاص لم تكن ثورته لحظة وانتهت بل بداية لمسار لا يزال ممتدًا في كل من يرفض التزيف ويؤمن أن الكرامة لا تدنو بل تطاول النجوم

وتظل مدرسة الإمام زيد حاضرة في وعي اليمنيين خاصة الذين لم يتعاملوا مع حركته كمجرد قصة تاريخية بل كجزء من تكوينهم الثقافي والسياسي والديني لهذا ظل الفقه الزيدي قائمًا في وجدانهم محافظًا على جوهره المرتبط بالحق والعدل والحرية فهو فقه ارتبط بالموقف أكثر من ارتباطه بالنصوص الباردة وارتبط بالمجتمع لا بالحكام ولذلك بقي حيًا رغم محاولات الإقصاء والتهميش.