أفق نيوز
الخبر بلا حدود

الإسلام دين الرحمة – النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قدوة الرحمة

104

أفق نيوز|

| تقرير خاص

في جوهر الرسالة الإسلامية، تكمن قيمة الرحمة كركيزة أساسية تبنى عليها جميع التعاليم والمبادئ. فالإسلام، الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ليس مجرد مجموعة من الشرائع والعبادات، بل هو منهج حياة شامل يهدف إلى تحقيق الرحمة في كل جوانب الوجود الإنساني. هذا التقرير يتعمق في مفهوم الرحمة في الإسلام، وكيف تجسدت هذه القيمة العظيمة في شخص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وكيف أن هذه الرحمة هي السبيل لنهضة الأمة في مواجهة تحديات العصر.

 

 

الرحمة في جوهر الرسالة المحمدية

لقد جاء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى عالمٍ كان يفتقر إلى الرحمة، حيث كانت القسوة والجهل والظلم هي السائدة، كانت البشرية تعيش في فوضى أخلاقية واجتماعية، تتجلى في عبادة الأصنام، وأكل الميتة، وارتكاب الفواحش، وقطع الأرحام، وأكل القوي للضعيف، في هذا السياق، كانت رسالته صلى الله عليه وآله وسلم بمثابة نور يضيء دروب البشرية، ويخرجها من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام والرحمة.

الآية الكريمة ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107] تلخص جوهر رسالته صلى الله عليه وآله وسلم، فالرحمة هنا ليست صفة عارضة، بل هي الغاية الأساسية من بعثته، وقد تجلت هذه الرحمة في شخصه الكريم، حيث وصفه الله تعالى بأنه

﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة: 128]. هذه الصفات تؤكد عمق رحمته وشفقته على أمته، وحرصه على هدايتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة .

إن مفهوم الرحمة في الإسلام يتجاوز العاطفة المجردة ليشمل الإحسان في جميع جوانب الحياة. فالرحمة الإلهية تتجلى في خلق الكون، وفي إرسال الأنبياء، وفي تشريع الأحكام التي تهدف إلى صلاح البشرية. وقد وردت معاني الرحمة في القرآن الكريم لتشمل النجاة من الغرق، والانتصار على الأعداء، ودفع العذاب، والوقاية من السيئات، ودخول الجنة، وتصريف النعم، وهبة الأولاد، واستخراج الكنوز، ومحبة الأزواج، ودفع البلاء، وخلق الليل والنهار للسكن والابتغاء من فضل الله .

 

النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: قدوة الرحمة العملية

لم تكن رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجرد أقوال، بل كانت أفعالاً ومواقف تجسد أسمى معاني الرحمة العملية. لقد دخل مكة فاتحاً منتصراً، ولم يكن جباراً ولا منتقماً، بل كان متواضعاً لله، وعفواً عن أهلها الذين آذوه وحاربوه. كلمته الخالدة “اذهبوا فأنتم الطلقاء” ، هي خير دليل على رحمته وعفوه، وهي درس للبشرية جمعاء في كيفية التعامل مع الأعداء عند النصر. لقد علمنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرقي في التعامل مع النفس البشرية، حتى مع الذين كانوا أعداء له .

تجلت رحمته صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً في منهجه في التعامل مع المجتمع، فقد هدم كل آثار الجاهلية التي كانت تعبد غير الله، وأعلن التوحيد، وألغى الربا، ووضع تحت قدميه كل ما يتعلق بالجاه والنسب والمال، معلناً أن الإسلام يعتبر الكفاءات والقيم والحقوق أولاً، وقد تجلى ذلك في موقفه من بلال الحبشي، العبد الذي أصبح يؤذن على ظهر الكعبة بكلمة التوحيد، في مشهد أثار غيظ كبار قريش الذين كانوا بالأمس سادة .

إن رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن تعني التساهل مع الظلم والفساد. فالرحمة الحقيقية قد تتطلب الشدة والحزم لإزالة أسباب الظلم وتحقيق العدل. فالطبيب الذي يجري عملية جراحية لمريض السرطان، لا يفعل ذلك قسوة، بل رحمة به لاستئصال المرض. وكذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان حازماً مع الكفار والمنافقين، ليس كرهاً لهم، بل رحمة بالمجتمع ككل، لضمان سلامته واستقراره .

الإسلام دين الرحمة في مواجهة القسوة المعاصرة

يعيش عالمنا اليوم في ظل سيطرة مادية مفرطة، تتأثر بالقسوة بشكل مخيف. المنظمات الإنسانية، رغم دعواتها للقيم الإنسانية، غالباً ما تكون غير كافية، بل إن الكثير منها يتسم بالازدواجية والتحكم. حقوق الإنسان، التي ينظر إليها الغربيون من زاوية عنصرية، تأتي لديهم في آخر سلم الاهتمامات، وتسبقها مصالحهم القومية .

إن غياب الرحمة في عالمنا المعاصر هو نتيجة الابتعاد عن جوهر الرسالة المحمدية، فالقسوة التي تعصف بالعالم اليوم، والتي تتجلى في الحروب والظلم واستغلال الشعوب، هي نتيجة لغياب عنصر الرحمة الذي تفتقده الحضارة المعاصرة، لقد شنت الحروب باسم أهداف كاذبة، أو مصالح خاصة، واتخذت ذريعة لتدمير الشعوب .

إن مشروع الجماعات المتشددة، للأسف، يهدف إلى إشغال المسلمين بعضهم ببعض، وزرع الشتات والخلاف بينهم، مستغلين الخلافات البينية التي يمكن تجاوزها. هذا المشروع يخدم مصالح الدول الاستكبارية التي تسعى لتمزيق الأمة وإضعافها .

إن الأمة اليوم بحاجة ماسة إلى العودة إلى جوهر الإسلام، الذي هو دين الرحمة. يجب أن تعود الأمة إلى مصادرها الأصيلة، وأن تحتفي بالمحطات الإسلامية الخالدة، مثل ذكرى المولد النبوي الشريف، لتغرس ثقافة الإسلام في حياة الناس، وتجعلها ثقافة يومية دائمة تسكن تفاصيل الحياة المختلفة. هذا يضمن ألا يقع الناس في التأثر بالزيف الذي تصنعه القدوات والأسوات غير الإسلامية .

خاتمة

إن الإسلام هو دين الرحمة بامتياز، والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو قدوة الرحمة العظمى. رسالته جاءت لتنتشل البشرية من ظلمات الجهل والقسوة إلى نور العلم والرحمة والعدل. إن إحياء ذكرى مولده الشريف هو دعوة لتجديد التمسك بقيم الرحمة النبوية، وتطبيقها في حياتنا الفردية والجماعية، لمواجهة تحديات العصر، وبناء مجتمع يقوم على المحبة والتراحم، تحقيقاً لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.