أفق نيوز
الخبر بلا حدود

اليمن.. ثباتٌ لافت ورمزيةُ القلعة الأخيرة

46

أفق نيوز|

غيث العبيدي

في عالمٍ إسلامي “متحالف”، نظّم الغرب أوراقه، وسعى لصياغته بأفكاره السياسية، حتى أحدث تغييرًا جذريًّا في أفكار وتصورات المسلمين؛ عالمٍ إسلامي تجاوز المألوف والمتوقّع، وخرج عن كُـلّ أنماط الإسلام التقليدية، حتى وصل إلى نتائجَ استثنائية، تجاوزت كُـلَّ الطرق المعتادة للمسلمين، لا في الابتكار والتطور، بل في الخضوع والذل والانكسار، والاستجابة السريعة لكل مثيرات الغرب، وأوامر الحاخامات والخواجات، حتى انحرف عن بنيته الطبيعية، وأصابه تشوّه دائم.

 

▪️الصمود اليمني

ومن بين كُـلّ هذه الهرطقة “الإسلامية”، وزندقةِ المسلمين الخانعين، يبرز اليمنُ بقيادة أبي جبريل “السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي” كحالة نادرة من الصمود الأُسطوري لم يحدث لها مثيل، إلا في أزقّة النجف الأشرف، وقم المقدسة، وضاحية بيروت الجنوبية، ليكون نمرًا كنمر القطيف، وملهمًا كسيستاني وادي الرافدين، وصُلبًا كخامنئي بلاد فارس، وساطعًا كـنصر الله سيد الجنوب، وأبًا روحيًّا فذًا كقاسم البحرين، ليشكّل ورفاقه علامة فارقة في العالم الإسلامي، في مواجهة أعتى الجيوش وأقوى التحالفات الغربية والعربية، بأدوات محلية بسيطة.

 

▪️الثبات والمبادرة

تعرّض اليمن عام 2015 لأعنف وأشدّ هجوم في تاريخه الحديث، لإعادة تشكيل خارطة سياسية جديدة في صنعاء بعد نظام علي عبدالله صالح، وفق أسس جديدة. وبالرغم من استخدام تحالف أجلاف الصحراء، فظاظي القلوب، غليظي الطباع، سيِّئي الأخلاق (السعوديّين والإماراتيين) على يمن الإيمان والحكمة، أسلحة فتاكة ومتطورة، وبالرغم من استخدامهم الحروب المركبة وغير التقليدية: الإعلامية، والعسكرية، والفكرية، والنفسية، والحصار والتجويع، والعقوبات الاقتصادية، صمدت القيادة السياسية والعسكرية صمودًا أذهل الأعداء قبل الأصدقاء. ولم يكتفوا بهذا القدر من الصمود، بل انتقلوا في أغلب الحالات إلى مراحلَ متقدمة من الهجوم والمبادرات العسكرية، على المستوى المحلي والإقليمي، ليكون اليمن لاعبًا دوليًّا لا يمكن لأحد تجاهله، ويصبح أحد أهم محاور المقاومة الإسلامية في المنطقة.

 

▪️الإرادَة الجماعية لدعم القضية الفلسطينية

وبعد الحرب على غزة، ووسط المشاهد الدموية، والغطرسة الصهيونية، والتوحش الإسرائيلي، التي استخدمها جيش الكيان المحتلّ المدعوم كليًّا من الغرب على كُـلّ شيء يتحَرّك في قطاع غزة، من خلال الحرب التي أطلقتها حكومة “نتنياهو” على القطاع، رفع اليمنيون ــ رغم جراحاتهم وصراعاتهم الداخلية، والجبهات الأُخرى المفتوحة ضدهم من السعوديّة والإمارات، وتشظّي خارطة بلادهم السياسية، والحصار المفروض عليهم ــ سقف التضامن مع الفلسطينيين إلى أبعد حَــدّ.

ولم يكتفوا بالخروج الجماهيري الكبير الداعم للقضية الفلسطينية، بل شدّدوا الخناق على البحر الأحمر وخليج عدن، لتصبح كُـلّ السفن والبواخر القادمة إلى موانئ (إسرائيل) هدفًا مشروعًا للجيش اليمني. وها هم اليوم يصوغون ملحمةَ الصواريخ الباليستية والمجنحة ثم الفرط صوتية والطائرات المسيّرة التي استهدفت أعماق الكيان الصهيوني بكل جسارة وجأش واستبسال.

 

▪️حجم التضحيات اليمنية

لا يمكن اختزال تجربة الصمود اليمني في ورقة بحثية واحدة، ولا بمداد قلم عاجز عن أن يعطي تلك الملحمة التي تفيض بالعناوين والمضامين، وبُنيت عليها استراتيجيات مختلفة في الرجولة والشجاعة والصبر والتخطيط والحكمة، حقها كما يجب.

ولم تكن كذلك لولا حجم التضحيات التي قدّمها اليمنيون في سبيل اليمن وسيادة اليمن، وعلى طريق القدس، من الأرواح، والبنى التحتية، والموارد الاقتصادية. إنها كثيرة جِـدًّا ومؤلمة حقًا، وكان آخرها استشهاد رئيس الحكومة اليمنية وثُلّة محترمة من الوزراء.

فلله درّك يا يمن الإيمان والشجاعة والبطولة والحكمة.

خالص تعازينا للسيد الهمام عبدالملك بدرالدين الحوثي “حفظه الله”، وللشعب اليمني الحر، وللحكومة اليمنية الجبارة.

* كاتب وباحث عراقي