أفق نيوز
الخبر بلا حدود

مفاوضات “شرم الشيخ”.. سلامٌ على فوهةِ البركان

53

أفق نيوز|  تقرير|

من قلب سيناء، وعلى ضوء شمسٍ لا تُخمدها أضواء التلفزة، تُجري بعض الدول ترقيعًا لاندلاعٍ امتد أكثر من عامين، وباتت “شرم الشيخ” المصرية مسرحًا لإعادة تشكيل المشهد الفلسطيني – الصهيوني بشروطٍ أمريكية، وما يجري هناك قد يكتب له النجاح، لكنه على الأرجح سيوّلد هدنة مؤقتة لا أكثر، سلامٌ على فوهة بركان.

ووفقًا للحقائق التي لا يخفونها؛ نقلت مصادر رسمية أنَّ طرفيّ الصراع تبادلوا قوائم الأسرى، وتقدّم ملف تبادل مفصل، كخطوةٍ تقنية لتسهيل توقيع اتفاق أولي، في خطوةٍ حاسمة لكنها ليست حاسمة بما فيه الكفاية.

الإدارة الأمريكية صاغت خطة من “20 بندًا” تُكرّس دورًا دوليًا انتقاليًا في إدارة غزة، ونزع سلاح حماس كشرطٍ أساسي؛ الصيغة هذه تقابلها مقاومة فكرية وسياسية داخل الفصائل ورفض شعبي شديد.

واشنطن والكيان الإسرائيلي ضاعفا تواجدهما التفاوضي في “شرم الشيخ” بعد تسليم القوائم؛ ما يُظهر أنَّ البيت الأبيض صار الطرف الفاعل والمحرك، لا مجرد وسيط.

وما بين السطور يشير إلى أنَّ أيَّة خطةٍ تضع “نزع سلاح حماس” كبندٍ أساسي هي في الحقيقة خطة لإعادة ترتيب الطيف السياسي في غزة، وليس لإرساء سلامٍ حقيقي، وهذا البند يفرغ أيّ تهدئةٍ من مضمونها الأمني بالنسبة للمقاومة، ويحوّلها إلى استسلامٍ مشروط.

الضمانات التنفيذية غائبة:

ويرى مراقبون أنَّ تبادل قوائم الأسرى خطوة إيجابية، لكن الكفالة الحقيقية للحصول على انسحاب صهيوني كامل أو حتى مراقبة فعّالة لنزع السلاح تظل أمرًا مفتوحًا على تنافس المصالح بين الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا والدول العربية، ولا توجد آلياتٍ دولية قوية تُلزم كيان العدوّ الإسرائيلي بدخول انسحاب حقيقي بعيدًا عن الوعود السياسية.

تصريحات عن قرب اتفاق وإمكانية زيارة رئاسية للمنطقة تضغط لإخراج “نصر سياسي” سريع قبل أنَّ تُحلّ العقد الجوهرية، وهذا التسرع قد يولّد “اتفاقًا هشًا”، يوقعه الأطراف لأسباب ظرفية لا استراتيجية.

وبينما تتصافح الوفود في القاعات، تواصل الطائرات والقذائف كتابة قصةٍ موازية على الأرض؛ فاستمرار العمليات يضعف الثقة ويحول أيَّ اتفاق من معاهدةٍ إلى ورقةٍ قابلة للتمزيق.

ماذا تخفي واشنطن فعلاً بين سطور الخطة؟

في سياق إعادة صياغة المشهد بدل الحل الجذري؛ فالخطة الأمريكية تميل إلى تحويل غزة إلى كيان تحت إشراف دولي موقت، وهو إجراء يُخفي رغبة في ضبط المشهد السياسي بعيدًا عن خيار الدولة الفلسطينية أو منطق المقاومة الشعبية، وهذا ليس سوى إعادة هندسة للسطح السياسي مع إبقاء أسباب الصراع الأساسية كما هي.

والمصلحة الداخلية لواشنطن تقتضي إعلان “انتصار تفاوضي” للتغطية على تداعيات الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة الذي بدأ منذُ مطلع الشهر الجاري، أو لصناعة حدث دولي يعطي دفعًا سياسيًّا داخليًّا؛ لذا ثمة احتمال أنَّ تُقدّم تنازلات تكتيكية تُغطي على نقص الضمانات الاستراتيجية.

وتسعى واشنطن لإدارة الظهور أكثر من إدارة الواقع، من خلال تصعيد حضور مسؤولين كبار وتهويل خطاب “قرب الانتهاء” يهدف لتهيئة الرأي العام وتثبيت إطار سردي مفاده، “صفقة لإنهاء الأزمة”، حتى لو كانت جزئية ومؤقتة.

سيناريوهات محتملة بعد شرم الشيخ:

الأول: اتفاق مرحلي “الأرجح”، تبادل أسرى وإطلاق سراح أحادي الدفع لأسرى أحياء، وهدنة محددة زمنيًّا مع آليات مراقبة غير حازمة، كالمعتاد، مع هدنة تُستخدم لإعادة إعمار جزئي وتجميد للأعمال العسكرية، كسيناريو واقع يخفف الضغوط ولكنه لا يحل الجذور.

ثانيًا: فشل المفاوضات وانفجار جديد، إذا تصاعد اليمين الصهيوني المتطرف أو فُسِّرت خطوات نزع السلاح كمكيدة؛ فسنشهد استئنافًا أوسع للعمليات، وهذا الاحتمال قائم طالما البنود الجوهرية بلا ضمانات.

ثالثًا: اتفاق سياسي مُسوّى خارج إرادة الفصائل الفلسطينية، من خلال فرض ترتيبات إدارية دولية تُبعد الفاعليات المحلية عن القرار، وهذا السيناريو يميل لإخراج حل شكلي على حساب الحقيقة الوطنية الفلسطينية.

بمعنى أنَّ “شرم الشيخ” قد تلد هدنة لكن بعيد هو المهد الذي يحتضن سلامًا دائمًا؛ فما يُعرض اليوم مزيج من تنازلات مؤقتة وضغط سياسي أمريكي يعطي نتائج سريعة قابلة للتسويق أكثر منه حلولاً تنهي الأسباب الجذرية للصراع.

وإذا كان الهدف إيقاف الإبادة الجماعية وإيصال مساعدات؛ فهو أمرٌ محمود لا خلاف عليه؛ أمّا إذا كان الهدف إعادة رسم المشهد الفلسطيني لصالح ترتيبات تضعف مرجعية الشعب الفلسطيني وتُخضع قضيته لصيغ دولية مؤقتة؛ فذلك الخطر الكبير، لأنَّ هدنة بلا ضمانات تعني أنَّ نغادر الحريق بدّلاً من نخمده.

خلاصة مشهد مفاوضات شرم الشيخ:

الشروط الأمريكية، تُبقي كيان الاحتلال في موقع السيطرة، وتُحوّل غزة إلى منطقةٍ منزوعة السيادة، وهذا وحدّهُ كافٍ ليجعل المقاومة ترى أنَّ الاتفاق فخّ لإجهاض “طوفان الأقصى”، فكل تجارب التهدئة السابقة انتهت بخيانة صهيونية أو استمرار الحصار.

من جهته يرى العدوّ الإسرائيلي في أيّة تهدئةٍ فرصة للمقاومة لإعادة بناء قوتها، وهذا يعني أنَّه حتى لو تم التوقيع؛ فإنَّ المرحلة التنفيذية ستكون مسرح اختبار متفجّر.

وفيما ترامب بحاجة لاتفاق يُسوّقه داخليًا كـ”انتصار دعائي” قبل نهاية العام، وهذا الضغط قد يدفع واشنطن إلى تليين بعض البنود مؤقتًا لإقناع الطرفين بالتوقيع؛ مصر تمسك بخيوط الأرض، وقطر بخيوط المال والتواصل مع قيادة حماس، والجمع بين هذين النفَسين “الأمني والسياسي” قد يُنتج مساحة وسط تحفظ ماء وجه الجميع.

المصدر: نقلا عن موقع المسيرة