أفق نيوز
الخبر بلا حدود

ثقافة الشهادة.. الأهمية والأثر

38

أفق نيوز|  تقرير| 

يقول السيد القائد عبدالملك الحوثي” يحفظه الله ” في سياق حديثه عن أهمية ثقافة الشهادة: من المهم جداً الاهتمام بهذه الثقافة التي تحيي فينا العزة والإباء في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى أن ترسخ في أنفسنا العزة، وأن نحيي في وجداننا الإباء، في زمن سعت قوى الطغيان بكل إمكانياتها وبكل الوسائل والأساليب بالبطش والجبروت بالغزو الثقافي والفكري، والنشاط الإعلامي المضلل إلى أن ترسخ في نفوس الشعوب ثقافة الهزيمة وروح اليأس والهزيمة والاستكانة، وكذلك حالة الإذلال والقبول بالهوان، لأنها ترى ذلك السبيل الميسر للهيمنة على المستضعفين والتحكم بشؤونهم وبمصائرهم.

ويستمر السيد القائد في الكلام عن أهمية ثقافة الشهادة والاستشهاد وآثارها النفسية والعملية المباركة قائلاً: ولذلك نحن اليوم بثقافتنا القرآنية كشعوب مستضعفة مسلمة نحيي في أنفسنا كل عوامل الثبات، وكل عوامل الصمود، وكل العوامل التي تمدنا بالأمل في مواجهة اليأس، وبالقوة في مواجهة الضعف، وبالعزة في مواجهة المذلة، لنكون-فعلاً- بمستوى مواجهة التحديات، ولنكون بالاستعانة بالله تعالى والاعتماد عليه والتوكل عليه واكتشاف كل عناصر القوة التي نختزنها فيما وهبنا الله كشعوب مستضعفة من إمكانات ومقدرات نفسية ومعنوية ومادية وثقافية وفكرية، نستفيد منها، فتكون-فعلاً-نعم عوامل القوة والثبات والصمود.

الشهادة كلمة قرآنية مقدسة، وكرامة إلهية يكرم الله بها المجاهدين في سبيل الله، واصطفاء إلهي لرجال الله المخلصين له، والصادقين معه في العهد الذي قطعوه على أنفسهم، وأهلوها إيمانياً وتربوياً وعسكرياً وميدانياً لنيل إحدى الحسنيين قال تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ).

الشهادة في سبيل الله هي أمنية يتمناها البائعون أرواحهم من الله ويتطلع للفوز بها الناصرون لدين الله بعد أمنية تحقيق النصر على أعداء الله والتنكيل بهم في ميدان المواجهة مع المستكبرين وجنودهم المتجندين في صفهم والمتواجدين في جبهاتهم ومعسكراتهم لإذلال الشعوب، وتركيع الناس لأهواء ومطامع الطغاة والظلمة والفسقة الأشرار الذين يتسلطون على رقاب الأمم والشعوب بسبب غياب دور الأخيار، وتجاهل الصالحين لمسؤولياتهم الدينية، وإماتة النخب الدينية لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى رأسها وفي مقدمتها الجهاد في سبيل الله، والتحرك لإعلاء كلمة الله.

امتداد مدرسة الشهادة

التربية الإيمانية على الشهادة والاستشهاد هي التي جعلت من غزوة بدر مدرسة لها امتدادها الحيوي والمتجدد عبر القرون ويوم فرقان بين الحق والباطل وبين المستضعفين والمستكبرين في أول معركة خاضها الإسلام، والتقى فيها الجمعان: الجمع الذي يمثل هدى الله، ونور الله، ويحمل مشروع الله الهادي إلى الصراط المستقيم، وذلك الجمع الذي أصر على السير في مسار الجاهلية، وعبادة الأصنام والذي يمثل الغرب الكافر اليوم امتداداً له، ومنذ ذلك اليوم وإلى معركة يمن الإيمان اليوم ويوم الفرقان حاضر كتاريخ يذكر بثقافة الشهادة ويحيي في الأجيال والشعوب روحية الاستشهاد كيوم تاريخي جهادي وإيماني أسس لكل فرقان بين الإسلام الذي لا يقبل الهزيمة وبين الكفر وأئمته حتى قيام الساعة، ومن يوم الفرقان نستلهم دروس التضحية والفداء التي هي ثمرة من ثمار عشق الشهادة في سبيل الله.

الآثار السيئة والكارثية لغياب ثقافة الشهادة

إن غياب التربية الإيمانية على الشهادة والاستشهاد له آثاره السيئة وتداعياته الكارثية والمأساوية على الأمة الإسلامية التي أراد الله لها أن تكون خير أمة أخرجت للناس تحمل لواء الحق وتقدم مشعل الهدى للبشرية، وتقودها إلى سعادة الدنيا والآخرة، وتقيم النموذج الحضاري اللائق بالإنسانية وحياة بني آدم، النموذج الحضاري القرآني العزيز الذي لا يقبل الذل، والعادل الذي يأبى الضيم، والنور الذي يبدد كل الظلمات.

لولا ثقافة الشهادة وروحية الاستشهاد المستوحاة من وحي القرآن، والمستقاة من حركة أعلام الهدى لاستفحل الباطل واستحكم الشر، واستمرت شرعية الفراعنة، واقتنع المستضعفون غير الواعين بشرعية معاوية ويزيد وهشام وعفاش وابن سلمان وزايد، ولأصبحت ولاية المتغلبين والمتسلطين على رقاب الأمة سارية المفعول تنخر في جسد الأمة، ولذا، فقد أدرك الرسول الأعظم، والإمام علي والإمام الحسين والإمام زيد والشهيد القائد تداعيات التجاهل والتغييب لهذه الثقافة على مستقبل المسلمين فأحيوها دروساً وإرشاداً وسلوكاً وممارسة وحافظوا على حيويتها بأرواحهم ودمائهم الزاكية التي مثلت وقوداً للوعي الثوري والتحرك الجهادي في وجه المستكبرين.

فثقافة الشهادة مشروع لتعزيز الروح الثورية الجهادية عبر مراحل التاريخ، ولقد كانت الشهادة في سبيل الله بالنسبة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمنية عبر عنها بقوله: ((والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سريةٍ تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل)).

وحتى يكون عشق الشهادة حاضراً بقوة في ذاكرة المؤمنين فقد أخبر الرسول الأكرم عن أمر غيبي خاص بالشهداء فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ إلاّ الشَّهِيدُ فَإنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلُ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ)).

ونجد الإمام علياً عليه السلام يعزز أهمية الشهادة والقتل في سبيل الله بقوله: (إِنَّ أَكْرَمَ الْمَوْتِ الْقَتْلُ، وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِهِ لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ تَكِشُّونَ كَشِيشَ الضِّبَابِ لَا تَأْخُذُونَ حَقّاً وَلَا تَمْنَعُونَ ضَيْماً قَدْ خُلِّيتُمْ وَالطَّرِيقَ فَالنَّجَاةُ لِلْمُقْتَحِمِ وَالْهَلَكَةُ لِلْمُتَلَوِّمِ).

الفرز والتمييز وأهميته في تنمية الوعي

ثقافة الجهاد والشهادة من أهم انعكاساتها في ميدان الحياة والتحدي والصراع مع الأعداء من الكافرين والمنافقين أنها تصنع حالة فرز بين المؤمنين والمنافقين، وتشكل حالة  تمييز بين الأعزاء المعتزين بعزة الإيمان بالله، وبين الجبناء الحريصين على الحياة القابلين بحياة العبيد والأنعام، والراضين بحياة الأغنام التي تساق من وإلى حظائرها، وتورد إلى مرعاها، ويقدم لها مأكلها ومشربها حتى يأتي دورها للذبح أو الموت، وشعوب المسلمين اليوم البعيدة عن الثقافة القرآنية والثقلين والمؤمنة بشرعية الأنظمة الطاغوتية المحسوبة على الإسلام، والحاكمة باسم الإسلام هذه الشعوب -مع الأسف-تؤمن بشرعية من لم ينالوا عهد الولاية من الله ممن قال الله عنهم:{لا ينال عهدي الظالمين} تلك الأنظمة التي تشعل الحروب والفتن وتقدم القتلى خدمة لليهود والنصارى، وفي الجبهة التي ترضى عنها اليهود والنصارى لا في الجبهة التي يرضى عنها الله.

وهذه الحقيقة المرة تكشف للمستضعفين الواعين حقيقة المعركة وصوابية التحرك تحت راية الأعلام والهداة من آل محمد في معركة الوجود والمصير في هذه المعركة والمرحلة التاريخية الفاصلة بين فسطاط الإيمان الخالص من النفاق، وفسطاط النفاق المكشوف المنسلخ من الإيمان، وصدق الله القائل: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.

وقال سبحانه: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}.

أجيالنا ومستقبل الثورة الجهادية

مستقبل الثورة الجهادية ومسار التحرك الثوري ضد الظلم والظالمين، والطغاة المستكبرين يجب أن يبقى خالداً وحيّاً وإرثاً بين الأجيال تتوارثه جيلاً بعد جيل إلى يوم القيامة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال الارتباط الروحي، والتمسك الواعي بالقرآن وقرناء القرآن السابقين بالخيرات الذين قدموا للأجيال إرثاً جهادياً مقدساً، وتجربة ثورية عظيمة، ومنهجاً نضالياً أسهم في إعادة صياغة التاريخ، وأثمر حرية للمستضعفين.

مستقبل الثورة الجهادية مرتبط بمدى ومستوى المحبة والتولي الصادق لصفوة البشرية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أصلحوا فساد الأمة، وأنقذوها من الهوان والذلة في المنعطفات التاريخية الحساسة وعلى رأسهم الإمام الحسين سيد شباب أهل الجنة الذي ترك للأجيال والشباب إرثاً كبيراً من الإباء والشموخ والصمود والصبر والتحدي، إرثاً بقيت حيويته عبر القرون رغم كيد الكائدين وسعي الساعين لمحوه إلا أنه وصل إلى الأجيال كمشروع ثوري ونموذج جهادي راقٍ تستلهم منه الأجيال دروس الخلاص والانعتاق من المستكبرين كل المستكبرين على مستوى ساحة الإسلام الداخلية والخارجية، وهذا الحضور الثوري له شواهده ومصاديقه العملية في واقع اليمن والأمة، على مستوى حيوية المشروع القرآني والمسيرة القرآنية، وعلى مستوى محور المقاومة ورجالها الحسينيين الكربلائيين الذين يرفعون شعار “هيهات منا الذلة” ويتمثلون قول الشاعر في الاستهانة بالخطوب والمخاطر

إذا لم تكن إلا الأسنة مركباً **فما حيلة المضطر إلا ركوبها

تساؤلات أخيرة

كيف وصل اليمن إلى المستوى القوي والموقف المتقدم الذي مكّنه من ضرب الكيان الصهيوني؟

كيف أصبح اليمن مصدر قلق ورعب للأعداء؟ بفضل من؟ وبجهود من؟ وبإعداد من؟ وبتحرك من؟ من الذي أسس لمثل هكذا مواقف وقرارات وخطوات تغيظ الأعداء؟ وماذا يعني أن تصبح اليمن وقيادتها وأنصارها قوة كبرى تهدد وتكون عند مستوى وحجم التهديد لأمريكا و”إسرائيل”؟ ماذا يعني ألا نبالي بتهديد ووعيد أمريكا والغرب الكافر؟ ما هي الثقافة التي أهلت أنصار الله قادة وأفراداً وشعباً ليكون بهذه الشجاعة والجرأة والإقدام؟

الإجابة على كل التساؤلات

إنها التربية الإيمانية للثقافة القرآنية التي تربي رجالها على مائدة القرآن والتمسك به والتولي والتسليم لأعلامه الهداة الذين يربون الأمة على العزة والكرامة والتضحية والفداء وإعلاء كلمة الله وإقامة دينه.

إنها ثقافة الشهادة التي تشهد الحقائق والوقائع والأحداث على أنها الثقافة التي تجعل للحياة قيمة وقوة وفاعلية وأثراً يمتد من الحياة الدنيا إلى الحياة الأخرى وصدق الله القائل: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}.

نقلا عن موقع انصار الله