الغزو الناعم .. سلاح صهيوأمريكي لهدم الأمة والمسيرة القرآنية تبني حصون الوعي والمقاومة
أفق نيوز| تقرير| طارق الحمامي|
في خضم التحولات العالمية المتسارعة، ومخططات دول الاستكبار العالمي التآمرية والاستعمارية، لم تعد الحروب تقتصر على ميادين القتال، بل امتدت لتطال العقول والقلوب والوجدان، ومع التطور الهائل في وسائل الإعلام والاتصال والتكنولوجيا، أصبحت المعركة الأشد خطراً هي تلك التي تستهدف هوية الإنسان المسلم ومضمونه الإيماني والأخلاقي، ففي الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن الحرية والانفتاح، يعمل العدو الصهيوأمريكي على شنّ حرب ناعمة، لا تُرى بالعين المجردة، لكنها تخترق الأذهان وتعيد تشكيل القيم والمفاهيم على مقاس الحضارة الغربية الحديثة، التي تسعى لتفريغ المجتمعات المسلمة من روحها الأصيلة واستبدالها بنمط مادي استهلاكي فاقد للمعنى.
ومن هنا تأتي أهمية هذا التقرير، الذي يحاول قراءة أساليب هذا الغزو الفكري، ويفكك أدواته الناعمة التي تُستخدم في هدم الإنسان المسلم من الداخل، كما يتناول أهمية الوعي بخطورة هذه الأساليب وضرورة امتلاك أدوات المواجهة الفكرية والثقافية.
ويتوقف التقرير عند موجهات المسيرة القرآنية المباركة، بوصفها نموذجاً لمشروع قرآني يسعى إلى تحصين المجتمع، واستعادة الوعي الإيماني في مواجهة كل أشكال الحرب الناعمة وأساليبها.
الحرب الناعمة .. الوجه غير المرئي للعدوان
لم تعد القوة العسكرية وحدها وسيلة السيطرة على الشعوب، بل أضحت القوة الناعمة أخطر أدوات الهيمنة الحديثة، وتعتمد هذه الحرب على بثّ قيم ومفاهيم جديدة تتعارض مع المنظومة الأخلاقية والإيمانية للمجتمعات الإسلامية، مستخدمةً الإعلام والتعليم والفنون والتقنيات الرقمية كجيوش متقدمة في ميدان العقول.
العدو، وفق هذا المنظور، لا يطلق الرصاص، بل يزرع الشكّ ويغرس الانهزام النفسي، محاولاً جعل الإنسان المسلم غريباً عن نفسه، باحثاً عن هوية بديلة، ومنساقاً وراء ثقافة مادية تُقدّس الشهوة والمنفعة وتُقصي الإيمان عن الحياة العامة.
أدوات وأساليب الهدم .. من الصورة إلى المنهج
تتعدد الأساليب التي يُستخدم فيها الإعلام والتعليم والثقافة كسلاح ناعم لتفكيك بنية الإنسان المسلم من خلال، الإعلام وصناعة الصورة، حيث تُنتج شركات الإعلام العالمية مئات الأعمال التي تعيد تشكيل القيم وتروّج لأنماط حياة غربية على حساب الموروث الديني والأخلاقي، وتُقدَّم الأسرة المحافظة كرمز للتخلف، ويُصوَّر التحرر من الدين على أنه تقدم وتمدّن، في حين تُغمر شاشاتنا ومواقعنا بصورٍ تلمّع القيم المادية والاستهلاكية.
ومن أخطر الأدوات ’’التعليم المستورد’’، حيث يتسلل التأثير عبر المناهج الدراسية وبرامج التبادل الأكاديمي التي تنقل المعرفة مفصولةً عن جذورها الثقافية والإيمانية، بذلك يُربّى الجيل الجديد على التفكير الغربي المجرّد من المرجعية القيمية المحلية، فيتخرج بعقلية تقنية متقدمة، لكن بروح مفصولة تماماً عن جذورها الدينية والقيمية وعن هويتها.
كذلك التكنولوجيا ومنصات التواصل، فالهواتف الذكية والشبكات الرقمية لم تعد مجرد أدوات تواصل، بل ساحات معركة خفية. خوارزميات المنصات تروّج لما تريده دوائر النفوذ العالمي وتهمّش كل ما يخالفها، وهكذا، يتحول المحتوى الموجَّه إلى وسيلة لتطبيع قيم غريبة وتغريب الأجيال الجديدة عن واقعها وهويتها.
وليس ببعيد عن تلك الأساليب والوسائل ’’الثقافة الاستهلاكية’’، وبريق العلامات التجارية، وأسلوب الحياة السريع، وقياس القيمة الإنسانية بالقدرة الشرائية، كلها مكونات ثقافة تغرس في الوعي الجمعي أن السعادة تُشترى، وأن الإنسان لا يُقاس بإيمانه أو علمه، بل بما يملك.
وفي سياق النشاط الثقافي المموّل، فإن بعض المؤسسات والمنظمات تتخذ واجهة ثقافية أو إنسانية لترويج مشاريع فكرية تغيّر القيم الاجتماعية تدريجياً، تحت شعارات براقة مثل ’’تمكين الشباب’’ أو ’’الحرية الثقافية’’، بينما هي في جوهرها أدوات هندسة اجتماعية تخدم العدو استخبارياً، وهو ما ثبت بالدليل القاطع من خلال العملية الأمنية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية اليمنية والتي استخدمت منظمات المجتمع المدني كغطاء لأجنداتها الاستخبارية
إنسان بلا إيمان ولا هوية
هذه الحرب الفكرية تترك أثرها العميق على الفرد والمجتمع، من خلال تشويش في الهوية الإيمانية وانفصام بين العلم والدين.
وتفكك القيم الأسرية والاجتماعية، وتحول العلاقة بين الجنسين من شراكة مسؤولة إلى استهلاك متبادل، وضياع المعنى وانفجار الأزمات النفسية الناتجة عن فقدان الغاية الروحية، وكذلك تضاؤل الانتماء للأمة وتراجع الوعي بالقضايا الكبرى.
بهذه الطريقة، يُصبح المسلم أداة في مشروع خصومه، يستهلك منتجاتهم، ويردد مفاهيمهم، ويعيش على إيقاعهم الثقافي دون أن يشعر بالانفصال عن جذوره.
الوعي .. السلاح الأول للمواجهة
الوعي هو خط الدفاع الأول أمام كل غزو ناعم، إدراك طبيعة الحرب وأساليبها يُحوّل المجتمع من متلقٍ سلبي إلى فاعلٍ مقاوم.
يتحقق هذا الوعي عبر التعليم النقدي، والتثقيف الإعلامي، وتحصين الأسرة من الداخل، وبناء إعلام قيمي يقدّم محتوى أصيلاً وجذاباً يعبّر عن قيمنا وهويتنا الإيمانية
المسيرة القرآنية .. نموذج المقاومة الواعية
في خضم هذا الصراع، برزت المسيرة القرآنية في اليمن كمشروع إيماني حضاري، يسعى إلى استعادة الإنسان في جوهره القرآني، وتحصينه ضد الغزو الفكري بكل أشكاله.
حيث تعمل المسيرة القرآنية على عدة مستويات ومجالات، أهمها التربية والتعليم القرآني من خلال إعادة ربط الإنسان بالقرآن كمنهج حياة، لا كمجرد تلاوة، وتركز البرامج التعليمية، على فهم النص وتطبيقه في السلوك الاجتماعي والأخلاقي، بما يجعل القيم القرآنية حية ومؤثرة في الواقع.
كما تسعى القنوات والمنصات التابعة للمسيرة في السياق الإعلامي، إلى تقديم خطاب إعلامي يُعزّز الوعي، ويواجه التضليل، ويقدّم البديل الثقافي القائم على الثقة بالهوية الإسلامية والكرامة الإنسانية.
ومن خلال مبادرات الإغاثة والتعليم والتكافل الاجتماعي، تُترجم القيم القرآنية إلى فعل واقعي، ما يخلق نموذجاً مجتمعياً متماسكاً يصعب اختراقه ثقافياً.
ولا تكتفي المسيرة القرآنية بالمواجهة العاطفية، بل تسعى إلى تنمية الفكر النقدي وتحليل الرسائل الإعلامية والثقافية، ليصبح الشباب أكثر قدرة على التمييز بين الحق والباطل في زمن التضليل.
من أبرز العناوين التي أكد عليها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ، في ظل المشهد العربي و الإقليمي الخطير ، هو عنوان ’’التحصين الاجتماعي’’ الذي اعتبره خط دفاع أمام الحرب الناعمة التي تستهدف الهوية الإيمانية، ودعوته المستمرة إلى مقاومة كل أشكال الانحراف تحت مسمى الانفتاح، التي تعتبر مدخلاً لتفكيك الهوية الدينية من الداخل .
والسيد القائد حفظه الله هو القائد الوحيد الذي حذر من خطورة هذه المعركة وأنواعها ، في سياقها التثقيفي والإفسادي الذي يستهدف فكر الإنسان، مفاهيمه، وطهره، وعفافه وأخلاقه وقيمه، كما بيّن أن وسائل الحرب الناعمة كثيرة، ودعاتها كثر، وأنها تعمل لإبعاد الأمة عن هويتها الدينية، منبهاً إلى خطورة عدم الانتباه، وعواقب الاستهانة بمخاطر الحرب الناعمة، لأن الأعداء يُحوّلون أدواتهم عندما تفشل الوسائل العسكرية إلى أدوات ناعمة وثقافية، لأنها جزء من استراتيجية العدوان الكلية التي تستهدف الأمة من الجبهات كلها، الفكرية، الثقافية، الإعلامية، الاجتماعية، لذا فإن المواجهة لا تنتهي بالسلاح فقط
معركة الوعي مستمرة
إن الحرب الناعمة معركة خطيرة يشنها العدو على الأمة ، ولكنها حرب يمكن كسبها بالوعي، وبالتمسك بالقيم الإيمانية التي تصنع إنساناً حراً كريماً واعياً بمعناه ودوره في الحياة.
والمسيرة القرآنية في اليمن، بما تحمله من روح إيمانية وتربوية ، تقدم مثالاً حياً على أن مواجهة الغزو الفكري لا تكون بالشعارات، بل ببناء الإنسان من الداخل، عقيدةً، وفكراً، وسلوكاً.
فالمعركة اليوم هي معركة وعي وهوية، ومن يملك الوعي، يملك المستقبل.
نقلا عن موقع يمانيون