أفق نيوز
الخبر بلا حدود

اليمن في الخطاب البحثي الصهيوني والأمريكي: قراءة في شرعنة العدوان وإعادة إنتاج التفتيت. تحليل مضمون

55

أفق نيوز|

تحليل | أنس القاضي

مقدمة:

تشير مراجعة خطاب مراكز الأبحاث الصهيونية والأمريكية إلى أن اليمن بات يُقدَّم في الأدبيات الاستراتيجية كساحة صراع مرتبطة بمحور المقاومة من جهة، وبأمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر من جهة أخرى. وقد تناولنا -بالتحليل- أحدث الدراسات المعنية بالموضوع:

مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية الصهيوني –بتاريخ 14 سبتمبر 2025- اعتبر اليمن مسرحاً مركزياً للمواجهة بين “إسرائيل والمحور الإيراني”.

معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) –بتاريخ 11 سبتمبر 2025- تحدث عن “تفتيت المحور” وإضعاف شبكة ما أسماهم “وكلاء إيران”، وطرح مسارات عسكرية ودبلوماسية للتعامل مع اليمن.

معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى –في تقرير بتاريخ 18 سبتمبر 2025- أكد أن “الحوثيين” أصبحوا تهديداً أكبر للمصالح الأمريكية والخليجية مقارنة بما قبل الحرب على غزة، ودعا لنهج أمريكي أشمل يجمع بين الاحتواء العسكري والدبلوماسية.

المراكز الإسرائيلية (مركز القدس – INSS) تركّز على الحسم العسكري والاغتيالات كإنجازات استراتيجية، وتدعو إلى توسعة النفوذ الإسرائيلي في البحر الأحمر عبر تحالفات مع الإمارات ودول القرن الإفريقي، فضلاً عن دعم قوى جنوبية مناوئة لصنعاء بما يعزز التفتيت الداخلي لليمن. والهدف الاستراتيجي هو تكريس “إسرائيل” كفاعل مباشر في أمن البحر الأحمر وتفكيك وحدة اليمن.

المراكز الأمريكية (معهد واشنطن) أكثر براغماتية، إذ تعترف بتحوّل صنعاء إلى فاعل إقليمي يهدد الملاحة ويضرب “إسرائيل”، لكنها تنتقد تخبط السياسة الأمريكية بين الدبلوماسية والتصعيد العسكري، وتقترح مساراً مزدوجاً يجمع بين الاحتواء الأمني المحدود وإعادة إطلاق عملية سياسية مشروطة، مع تقديم ضمانات أمنية أوضح للسعودية والإمارات.

نقاط الالتقاء: الطرفان يتفقان على تصوير صنعاء كـ”وكيل إيراني”، وعلى استخدام خطاب “الأمن البحري” لتبرير عسكرة البحر الأحمر وشرعنة استمرار الحصار والعدوان.

التداعيات على اليمن: تتمثل في محاولة “شرعنة” الضربات الإسرائيلية، إضعاف شرعية صنعاء دولياً، دعم مشاريع التفتيت الداخلي، عسكرة الجزر والموانئ اليمنية، وتعطيل أي مسار وطني مستقل.

ربط الخطاب مع التطورات الراهنة

هذه الخطابات البحثية لا تُقرأ في فراغ، بل تأتي متزامنة مع:

  • مؤتمر “الأمن البحري” في الرياض (16 سبتمبر 2025) الذي مثّل منصة غربية–خليجية لإعادة صياغة الحضور العسكري في السواحل والجزر اليمنية، تحت غطاء “دعم القدرات المحلية”، وهو صدى مباشر لتوصيات مراكز الأبحاث الغربية والإسرائيلية حول “الوكلاء المحليين”.
  • المنحة المالية السعودية الأخيرة: التي وُظّفت كأداة سياسية لإعادة التموضع الإقليمي، وتقديم السعودية كراعٍ اقتصادي مقابل قبولها بالترتيبات الأمنية الغربية في البحر الأحمر.
  • نقل مكتب منسق الشؤون الإنسانية (الأوتشا) من صنعاء إلى عدن: خطوة انسجمت مع الضغوط الغربية لنزع الشرعية الإنسانية عن صنعاء، وإعادة تعريف المساعدات ضمن قنوات مرتبطة بـ”الشرعية” وحلفائها.
  • القصف الإسرائيلي على موانئ الحديدة، الذي عكس عملياً توصيات المراكز الصهيونية بقطع شرايين الاقتصاد اليمني، وتوظيف “الأمن البحري” كذريعة لضرب البنية التحتية الحيوية.

الخلاصة

الخطاب البحثي الصهيوني والأمريكي أداة استراتيجية تهدف إلى:

1. إدامة الحرب عبر عسكرة البحر الأحمر.

2. إضعاف صنعاء سياسياً واقتصادياً.

3. تكريس الوجود الأجنبي في السواحل والجزر اليمنية.

4. تفتيت اليمن عبر تغذية مشاريع الانقسام الداخلي.

وفي مواجهة ذلك، يبقى التحدي أمام صنعاء مزدوجاً: عسكرياً عبر مواصلة الردع البحري والجوي، وسياسياً ودبلوماسياً عبر تفكيك سرديات العدو، وتأكيد أن المعركة اليمنية هي أولاً وأخيراً معركة استقلال وسيادة وطنية، وربط وضع البحر الأحمر بما يجري في غزة.

التقرير كاملاً:

مقدمة:

تشكل الخطابات الصادرة عن مراكز الأبحاث الصهيونية والأمريكية نافذة مهمة لفهم التوجهات الاستراتيجية للقوى الغربية تجاه اليمن، فهذه المراكز لا تكتفي بدور تحليلي أكاديمي، بل تمثل منصات لصياغة الرؤية السياسية والعسكرية التي تسترشد بها الحكومات ومؤسسات صنع القرار في “تل أبيب” وواشنطن، وفي السياق اليمني تبرز أهميتها على نحو خاص منذ انخراط صنعاء المباشر في مواجهة الكيان الصهيوني عبر البحر الأحمر، وضرب العمق الإسرائيلي بالصواريخ والطائرات المسيّرة.

تسعى مراكز الأبحاث إلى تأطير حضور صنعاء في المشهد الإقليمي بأنه “وكيل إيراني” وليس فاعلاً وطنياً مستقلاً، لمحاولة شرعنة -من وجهة نظرهم- التدخلات العسكرية والاستخباراتية الغربية والصهيونية، ويبرر -خطأً- محاولات تفتيت اليمن عبر دعم قوى محلية مناوئة.

تنطلق هذه الورقة من أن الخطاب البحثي الإسرائيلي جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة صياغة التوازنات في المنطقة على حساب اليمن ووحدتها الوطنية. ومن هنا، تأتي الحاجة إلى قراءة سياسية–استراتيجية متعمقة تضع هذا الخطاب في سياقه، وتكشف أدواته ومضامينه، وتوضح تداعياته على مستقبل اليمن.

السياق العام للخطاب البحثي

تتسم المقاربات الصادرة عن مراكز الأبحاث الصهيونية والأمريكية بشأن اليمن بوجود إطار تفسيري ثابت، يربط المشهد اليمني بمجموعة من المفاهيم الأمنية والاستراتيجية الكبرى، فمن حيث المنطلقات، لا يُنظر إلى اليمن أنه دولة ذات سيادة تواجه عدواناً خارجياً، بل يُقدَّم على أنه ساحة فرعية ضمن صراع إقليمي أوسع، وباختصار، فإن السياق العام الذي يؤطر به هذا الخطاب هو سياق أمني–جيوسياسي ذو أبعاد عدوانية؛ إذ يُنظر لليمن كعُقدة في معادلة الردع الإقليمي، وكذريعة لتوسيع النفوذ الغربي–الصهيوني في البحر الأحمر، مع تغييب كامل لحقوق الشعب اليمني في السيادة والاستقلال.

تحليل المراكز الإسرائيلية

أ. مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية

يرسم المركز صورة لليمن أنه ساحة مركزية للمواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني، ويضع أنصار الله في مقدمة ما يسميهم “الوكلاء الإيرانيين” من حيث الفاعلية والقوة. ويعتبر أن الغارة الجوية على صنعاء في أغسطس 2025م -التي استهدفت قيادات مدنية ورئيس وزراء حكومة صنعاء- تمثل “إنجازاً استراتيجياً” وتحولاً نوعياً في إدارة مسرح الحرب.

لكن القراءة الدقيقة تكشف أن المركز يوظف هذا العدوان لغايات دعائية أكثر منها تحليلية؛ إضافة إلى ذلك، يؤكد المركز على دور الإمارات في تسهيل الوجود العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي على السواحل اليمنية، بما يعكس مسعى “تل أبيب” لاستخدام “التطبيع العسكري” كأداة لاختراق العمق اليمني.

ب. معهد دراسات الأمن القومي (INSS)

يقدم المعهد مقاربة أكثر تنظيماً، من خلال وضع اليمن ضمن إطار “شبكة وكلاء إيران” التي ينبغي تفتيتها وتعطيلها، ويطرح مسارين رئيسيين للعدوان على اليمن:

المسار العسكري: ويتضمن حملة جوية أمريكية مع هجوم بري يمني (المرتزقة)–خليجي. لكن المعهد يقر بغياب الحافز الإقليمي والدولي لإعادة الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة.

المسار الدبلوماسي: عبر وساطات أممية وعمانية لإحياء عملية سياسية، ولكن بشروط تُضعف صنعاء وتقيّد حضورها.

أما في ما يخص “دور إسرائيل”، فيذهب المعهد أبعد من الجانب العسكري ليطرح رؤية استراتيجية متكاملة:

  • بناء تحالفات أمنية مع دول البحر الأحمر الإفريقية.
  • تعزيز التعاون مع دول الخليج في رصد الهجمات.
  • دعم قوى جنوبية مناوئة لصنعاء سياسياً وعسكرياً.
  • “فضح” العلاقة الإيرانية–اليمنية في المحافل الدولية.

هذا الخطاب يعكس سعي المؤسسة الصهيونية إلى تثبيت موقع “إسرائيل” كفاعل إقليمي مباشر في البحر الأحمر، عبر دمجها في ترتيبات أمنية متعددة الأطراف، وتوظيف الملف اليمني كورقة نفوذ لتعزيز شرعيتها الإقليمية. وفي جوهره، يكشف هذا الطرح عن توجه استراتيجي لتفكيك اليمن سياسياً (عبر دعم مشاريع الانفصال)، وعسكرياً (عبر استنزاف صنعاء)، بما يخدم هدفاً أكبر هو ضرب محور المقاومة من أطرافه.

تحليل المراكز الأمريكية

معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى

يمثل خطاب هذا المعهد قراءة أكثر براغماتية مقارنة بالمقاربات الإسرائيلية، لكنه لا يخرج عن الإطار الاستراتيجي العام الذي يجرّد اليمن من طابعه الوطني، ويضعه في خانة التهديد الإقليمي.

يقدّم المعهد صورة قاتمة عن تخبط السياسة الأمريكية تجاه اليمن:

في عهد بايدن: تغليب الدبلوماسية، رفع أنصارالله من قوائم الإرهاب، الضغط على الرياض لوقف الحرب.

في حرب غزة: تبدل الموقف، مع تصنيف أنصار الله كـ”منظمة إرهابية”، استئناف مبيعات السلاح للسعودية، وشن ضربات عسكرية محدودة.

مع عودة ترامب: تبني نهج أكثر “حزماً”، عبر عملية عسكرية واسعة (مارس – مايو 2025)، لكنها توقفت فجأة، وأقرت أمريكا بالهزيمة مبررة ذلك  بـ”الكلفة العالية”، ما كشف هشاشة القرار الأمريكي.

يقرّ المعهد بأن القوات المسلحة اليمنية باتوا اليوم أكثر خطورة على المصالح الأمريكية والخليجية مما كانوا عليه قبل حرب غزة، وأن أنصار الله لم يعودوا فاعلاً محلياً محصوراً داخل اليمن، بل أصبحوا قوة إقليمية قادرة على:

  • تعطيل الملاحة التجارية في البحر الأحمر (12% من التجارة العالمية). رغم أن المستهدف هي ملاحة “إسرائيل” فقط.
  • ضرب “إسرائيل” على بعد يتجاوز 2000 كم.
  • بناء تحالفات خارجية مع روسيا والصين، وتوسيع التصنيع المحلي. مع الحديث عن “تعاون مع حركة الشباب في الصومال”.

يطرح المعهد سلسلة من التوصيات السياسية التي تكشف عن توجه أمريكي لإعادة بناء استراتيجية شاملة:

تقديم ضمانات أمنية واضحة للسعودية والإمارات (مبيعات أسلحة، تدريبات، التزام بالدفاع).

دعم حكومة عدن العميلة، مع الإقرار بانقسامها وفشلها.

اعتراض أسلحة وأموال صنعاء عبر شبكات دولية بمشاركة عمان والإمارات. بحجة وجود تهريب أسلحة لصنعاء.

إعادة إطلاق عملية سياسية مشروطة، بما يضمن إضعاف نفوذ صنعاء.

العمل على مواءمة التحرك الأمريكي مع “إسرائيل”، منعاً لحدوث تصدع بين الحليفين.

الدلالات الاستراتيجية

خطاب معهد واشنطن يكشف أن واشنطن – رغم ترددها – لا تستطيع تجاهل الملف اليمني، لأنه يمس ثلاثة ملفات حساسة:

  • أمن الطاقة والملاحة: البحر الأحمر وباب المندب كممرات استراتيجية.
  • أمن الحلفاء الخليجيين: الحاجة إلى طمأنة الرياض وأبوظبي.
  • المواجهة مع إيران: اليمن بوصفه جبهة إضافية في مشروع محور المقاومة.

لكن ما يميز الخطاب الأمريكي عن الإسرائيلي أنه أكثر إدراكاً لخطورة الاستنزاف؛ فبينما يندفع الإسرائيليون نحو تصعيد أحادي عبر الاغتيالات والتوسع في البحر الأحمر، يحذر الأمريكيون من أن مثل هذا المسار قد يعمّق حضور صنعاء ويزيد من شرعيتها الإقليمية، ولهذا يدعو المعهد إلى سياسة مزدوجة: احتواء عسكري محدود، مع إعادة فتح مسار سياسي ودبلوماسي.

القراءة الاستراتيجية المقارنة

من خلال المقارنة بين الخطاب البحثي الصهيوني ونظيره الأمريكي، يمكن استخلاص مجموعة من الملامح الاستراتيجية التي توضّح التقاء المصالح من جهة، وتباين الأدوات والآليات من جهة أخرى.

نقاط الالتقاء

1. اعتبار صنعاء تهديداً إقليمياً متصاعداً:

يتفق الطرفان على أن أنصار الله لم تعد فاعلاً محلياً بل قوة إقليمية قادرة على ضرب “إسرائيل” وتهديد ممرات الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر.

2. إطار “محور إيران”:

كلا الخطابين يدمجان اليمن في ما يسميانه “شبكة الوكلاء الإيرانيين”، بما يهمّش البعد الوطني.

3. توظيف الأمن البحري:

يشكل البحر الأحمر العنوان الأبرز في كلا الطرحين، ويُستخدم لتبرير الوجود العسكري والاستخباراتي الأجنبي على السواحل والجزر اليمنية.

نقاط الاختلاف

1. الإسرائيليون:

يميلون إلى التصعيد الأحادي عبر الاغتيالات وتوسيع العمليات الجوية.

يركزون على تثبيت “إسرائيل” كفاعل مباشر في البحر الأحمر من خلال تحالفات مع الإمارات ودول إفريقية.

يطرحون علناً خيارات دعم قوى جنوبية/انفصالية لتفتيت اليمن.

2. الأمريكيون:

أكثر براغماتية، يرون أن الضربات العسكرية وحدها لا تجدي.

يقترحون سياسة مزدوجة: احتواء أمني محدود + إعادة فتح مسار سياسي برعاية خليجية–أمريكية.

يحذّرون من أن التصعيد الإسرائيلي المنفرد قد يُقوّي شرعية صنعاء ويزيد من حضورها الإقليمي.

الدلالات الاستراتيجية

الخطاب الإسرائيلي يعبّر عن اندفاع استراتيجي هدفه المباشر ضرب صنعاء وتعطيل قدراتها، ولو عبر أدوات التفتيت الداخلي.

الخطاب الأمريكي يعكس حذراً استراتيجياً نابعاً من تجربة الاستنزاف، ومحاولة توظيف أدوات السياسة والدبلوماسية لتقييد صنعاء دون الانغماس في حرب مفتوحة.

هذا التباين لا يلغي جوهر الموقف المشترك: تصوير صنعاء كتهديد يجب استهدافه، في إطار سردية تجرّد اليمن من حقه في الدفاع عن نفسه، وتخفي حقيقة أن ما يجري هو عدوان خارجي على بلد مستقل.

التداعيات على اليمن

إن الخطاب البحثي الصهيوني والأمريكي -برغم اختلاف زواياه وأدواته- يلتقي عند نتائج خطيرة تمس اليمن مباشرة، وتعيد إنتاج واقع الحرب والتفتيت.

1. محاولة “شرعنة” العدوان الخارجي

تُقدَّم الضربات الإسرائيلية على صنعاء، بما في ذلك استهداف قيادات مدنية، بوصفها “نجاحات استراتيجية”، هذا الخطاب يُحوِّل اليمن إلى مسرح مشروع -من وجهة النظر الإسرائيلية- للتجريب العسكري والاستخباراتي، ويُعيد تعريف العدوان بوصفه دفاعاً وقائياً، بينما يُصوَّر الرد اليمني كتصعيد غير مشروع.

2. تكريس صورة صنعاء كـ”وكيل إيراني”

من خلال دمج اليمن في شبكة “وكلاء إيران”، يتم طمس البعد الوطني اليمني، وإسقاط مشروعية معركة اليمنيين في مواجهة العدوان والحصار.

3. تعزيز مشاريع التفتيت الداخلي

توصيات مراكز الأبحاث الإسرائيلية بدعم قوى جنوبية عميلة ليست مجرد اقتراحات نظرية، بل تعكس رؤية استراتيجية تستهدف إعادة إنتاج التشظي الجغرافي والسياسي لليمن. وهذا المسار إذا ما جرى تبنيه على مستوى السياسات الفعلية، فسوف يعني تفكيك الوحدة الوطنية، وتعميق خطوط الانقسام الداخلي. (مؤخرا كان هناك وفد اعلامي صهيوني في عدن)

4. عسكرة البحر الأحمر والجزر اليمنية

التركيز المشترك على “حرية الملاحة” يهدف إلى عسكرة البحر الأحمر، وإعادة صياغة حضور عسكري أجنبي دائم في السواحل والجزر اليمنية، وبهذا تتحول الجغرافيا اليمنية من مجال سيادة وطنية إلى مجال نفوذ دولي مفتوح، بما يضعف قدرة اليمنيين على التحكم بمواردهم وممراتهم الحيوية.

5. إعاقة أي مسار وطني مستقل

الطرح الأمريكي لإعادة إطلاق عملية سياسية مشروطة، والطرح الإسرائيلي لتوسيع الضربات والدعم للفصائل المناهضة، كلاهما يؤدي إلى النتيجة ذاتها: إعاقة اليمنيين عن صياغة مسار سياسي وطني مستقل، وإبقاء الملف مرتهناً لإرادة الخارج.

الخاتمة

إن الخطابات الإسرائيلية تكشف اندفاعاً نحو التصعيد الأحادي والتفتيت الداخلي، من خلال الاغتيالات والدعوة إلى دعم قوى انفصالية عميلة، أما الخطابات الأمريكية فتُظهر حذراً براغماتياً، يدرك حدود القوة العسكرية، ويقترح الجمع بين الاحتواء الأمني والدبلوماسية المشروطة، غير أن كلا الخطابين يلتقي في جوهره عند إعادة تعريف صنعاء كـ”وكيل إيراني”، وفي إقصاء اليمنيين عن حقهم في صياغة مسار سياسي وطني مستقل.

تتجلى خطورة هذا الخطاب في أنه يسعى إلى إدامة الحرب وإعاقة أي تسوية سيادية، عبر عسكرة البحر الأحمر، وتغذية الانقسامات الداخلية، وتبرير الحصار والعدوان، رغم أن المبررات واهية.

ومن هنا، فإن مواجهة اليمن لهذه الرؤى لا تقتصر على الصعيد العسكري فحسب، بل تستلزم أيضاً مواجهة فكرية–سياسية تعيد التأكيد على أن المعركة اليمنية هي أولاً وأخيراً معركة استقلال وسيادة، وأن أي مقاربة تتجاهل هذه الحقيقة لن تنتج إلا مزيداً من الاستنزاف الإقليمي والدولي.