أفق نيوز
الخبر بلا حدود

قمة الدوحة بين وقع العدوان الإسرائيلي وحدود الرد العربي الإسلامي

46

أفق نيوز|

تقارير | علي الدرواني 

في التاسع من سبتمبر 2025 تعرضت العاصمة القطرية الدوحة لقصف إسرائيلي مباشر، استهدف حيًّا سكنيًا يضم مقارا للوفود التفاوضية. الهجوم، الذي أدى إلى استشهاد مواطن قطري وسقوط ضحايا مدنيين، مثّل تطورًا غير مسبوق؛ إذ تجاوزت إسرائيل استهداف الأراضي الفلسطينية إلى استهداف مباشر لعاصمة عربية تلعب دور الوسيط.

أمام هذا التطور الخطير، شهدت المنطقة تحركات دبلوماسية عاجلة، انتهت إلى الدعوة لعقد قمة عربية–إسلامية طارئة في الدوحة، شارك في التحضير لها وزراء الخارجية الذين أعدوا مسودة بيان حمل عدة عناوين رئيسية:

إدانة العدوان الإسرائيلي على قطر باعتباره “هجومًا جبانًا وغير شرعي” وانتهاكًا صارخًا لسيادة دولة عربية.

التضامن مع قطر واعتبار الاعتداء عليها عدوانًا على جميع الدول العربية والإسلامية.

ربط الهجوم بالقضية الفلسطينية عبر التأكيد على أن العدوان يندرج ضمن السياسات الإسرائيلية القائمة على التهجير والتطهير العرقي.

الدعوة للتحرك الدولي من أجل وقف الاعتداءات الإسرائيلية، وإنهاء الاحتلال، ودعم جهود الوساطة.

هذه البنود لم تحتو على أي مواقف عملية لردع الصهاينة،  فقد تضمن تحليلا سياسيا أكثر منه موقفا ردعيا، وعبر حديثها عن عرقلة التطبيع، هي في الحقيقة تقف موقف المستجدي، فلا يوجد خفض مستوى علاقات دبلوماسية من دول التطبيع، ولا تفعيل مقاطعة اقتصادية،  ولا أي شيء يدل على الغضب العربي، والرغبة في ردع العدو.

مفارقات المشهد

رغم قوة العناوين، فإن القراءة الدقيقة لمسودة البيان تكشف عن مساحة واسعة من اللغة الدبلوماسية المألوفة التي تعيد إنتاج المواقف التقليدية: الإدانة، الدعوة للتحرك الدولي، التأكيد على دعم “حل الدولتين”، والتشديد على قدسية المسجد الأقصى. وهي عبارات وإن كانت مهمة على الصعيد الرمزي، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى الحدث المتمثل في قصف عاصمة عربية عضو في مجلس التعاون الخليجي، ووسيط رئيسي بين المقاومة الفلسطينية وكيان العدو الإسرائيلي.

المفارقة الكبرى أن هذا القصف لم يُترجم إلى موقف عملي جماعي، بل جرى احتواؤه ضمن قنوات التنديد السياسي والبيانات الدبلوماسية. بل إن صياغة البيان الختامي تضمنت إشادة بضبط النفس القطري، وهو ما يمكن قراءته بوصفه أقرب إلى “شكر إسرائيلي غير مباشر” على عدم التصعيد، بدلًا من كونه موقفًا تضامنيًا صلبًا.

قمة بلا ردع

مقارنةً بسلوك القوى الدولية الأخرى، يظهر التباين واضحًا: حين تخترق طائرات مسيّرة روسية المجال الجوي للناتو، تتحرك الطائرات الحربية فورًا وتطلق عملية عسكرية ردعية دون انتظار قمة أو بيان. في المقابل، حين يُقصف بلد عربي، تتوالى الإدانات وتُعقد القمم وتُذبح الخراف لاستقبال الوفود، لكن دون خطوات ردعية ملموسة.

هذا يعكس خللًا بنيويًا في آليات العمل العربي–الإسلامي المشترك، حيث تتحول القمم من منصات لصناعة القرار إلى منصات لتفريغ الغضب السياسي في بيانات مطوّلة، سرعان ما تُطوى مع انتهاء القمة.

أبعاد سياسية أعمق وأكثر خطورة

من خلال ضرب الدوحة، تريد “إسرائيل” وقادتها مجرمو الحرب أن تُظهر قدرتها على تجاوز الخطوط الحمراء واستهداف حتى الوسطاء، بهدف تعطيل أي جهود سلام لا تتماشى مع رؤيتها.

لكن ماذا فعل العرب؟

الحراك الذي سبق القمة كشف أن بعض العواصم وعلى رأسها أبو ظبي، هرعت ليس للتضامن، بل لضبط سقف المواقف وتجنب أي تصعيد ضد “إسرائيل”، ما يضعف الموقف الجماعي.

كان بالإمكان تحويل هذا الهجوم العدواني إلى لحظة تاريخية لإعادة تعريف العلاقة العربية–الإسرائيلية، وربما تجميد مسارات التطبيع. لكن البيان بصيغته الحالية يوحي أن الأولوية كانت لاحتواء الموقف لا لاستثماره سياسيًا.

الخلاصة

قمة الدوحة الطارئة تكشف عن معضلة العمل العربي–الإسلامي المشترك: اجتماع عاجل، بيانات حادة في صياغتها، لكن محدودة في آثارها العملية. وبينما يواصل العدو الإسرائيلي فرض وقائع جديدة بالقوة، تبقى الردود العربية والإسلامية محصورة في دائرة الإدانة الدبلوماسية، ما يعكس اتساع الفجوة بين حجم التحديات وحجم الاستجابة، ويمثل تشجيعا واضحا للعدو بمواصلة عدوانه وتوسيعه، الأمر الذي يساهم في تعزيز عوامل الإحباط لدى شعوبنا العربية والإسلامية، بانتظار تحول في المشهد يعيد تقييم الواقع واستثمار الوقائع.